حتى يستعيد البرلمان ثقة المواطن
سينهي البرلمان بغرفتيه اليوم مناقشة البرنامج الحكومي الذي تقدمت به حكومة عباس الفاسي بالموافقة أو المصادقة أو التزكية، أو كما تشاؤون من الأسماء والأوصاف. المهم أن الحكومة أصبحت أمرا واقعا منذ أن نصبها الملك، والحصول على ثقة البرلمان بالنسبة لها ليس سوى تحصيل حاصل. أما البرلمان وساكنوه فسيعودون إلى أسئلتهم الشفوية المكرورة، والتي يكون فيها السؤال مكتوبا والجواب مكتوبا والتعقيب مكتوبا..
الكل يعرف أن البرلمان الحالي هو من بين أضعف البرلمانات التي عرفها المغرب، بما فيها تلك التي كانت تزور السلطة انتخاباتها، لأنها كانت تحرص على «التزوير» لبعض الوجوه المعروفة لإضفاء نوع من «المصداقية» على صورة المؤسسة التشريعية. برلمان اليوم ضعيف لأن الانتخابات التي انبثقت عنها غرفته الأولى قاطعها 80 في المائة من الناخبين، ما بين ممتنعين ومقاطعين، وانتخابات تجديد ثلث غرفته الثانية عرفت أكبر عملية فساد مفضوحة في تاريخ الاستحقاقات المغربية. والنتيجة هي أننا اليوم أمام برلمان هو أقرب إلى «مجلس أعيان الريع» منه إلى ممثلي الشعب المفترى عليه.
لكن مع ذلك، فأمام هذا البرلمان فرصة تاريخية لإعادة ثقة المواطن إلى المؤسسة التشريعية، فبدلا من أن يركز البرلمانيون جهدهم (هذا بالنسبة لمن يعرفون القراءة والكتابة) على صياغة أسئلة شفوية ركيكة حول إصلاح قنطرة منسية، أو نقص في الأدوية في مستوصف مهمش، أو تأخر مواعيد وصول القطارات، أو عن سبب هجران زوجة لزوجها في الفراش... وهذه كلها أسئلة طرحت في الولاية السابقة، وهناك أسئلة أكثر منها سخافة يستحيي حتى أصحابها من طرحها شفهيا، فيتوجهون بها كتابة إلى من يهمهم الأمر. وحتى لا تضيع من المغرب والمغاربة خمس سنوات إضافية، فإن أمام برلمانيي هذه الدورة، وخاصة منهم من اختاروا صفوف المعارضة عن قناعة، لأن هناك من زج بهم في المعارضة زجا مثل حزب الشيخ أحرضان ومريده العنصر، فرصة سانحة ليثبتوا لمنتخبيهم أنهم فعلا يستحقون ثقتهم. وحتى يستعيضوا عن كل ذلك الكم الهائل من الأسئلة التي لا تقدم ولا تؤخر، أقترح عليهم تأسيس لجان لتقصي الحقائق في أربعة ملفات أساسية.
أول هذه الملفات، هو التحقيق في الطريقة التي تم بها تفويت الأراضي المخزنية وأراضي المياه والغابات منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، فأغلب هذه الأراضي كانت في ملك المعمر الذي انتزعها من القبائل بحدة السوط والسيف، وفي أحسن الأحيان مقابل «قالب» من السكر أيام «الجوع والنوع»، وقد آلت في أغلبها بعد ما سمي بـ«الاستقلال» إلى معمرين جدد، ومن ريعها تم صنع النخب الأسرية التي تتحكم اليوم في الاقتصاد والسلطة في المغرب.
ثاني هذه الملفات، هو خلق لجنة للتحقيق في الامتيازات التي منحت بغير وجه حق من أموال وثروات الشعب، من رخص سيارات الأجرة والحافلات «لاكريمات» إلى رخص المقالع والصيد في أعالي البحار وتصدير الرمال واستغلال المناجم، ليعرف الناس من استفاد من ريع هذه الرخص وبأي حق وكيف تم توظيفها.
الملف الثالث، هو فتح تحقيق حول الطريقة التي تمت بها الخوصصة ودفاتر التحملات التي التزمت بموجبها الشركات المستفيدة منها، والكيفية التي صرفت بها أموالها.
أما الملف الرابع، فلن يكلف البرلمانيين سوى النبش في أرشيف مؤسستهم بإحياء مطلب قديم داخل البرلمان وهو سن قانون «من أين لك هذا؟»، فمن شأن هذا القانون أن يكشف عن عورات الكثير من أبناء الأسر التي تعتبر نفسها محترمة، وأكثر من ذلك سيجعل الكثير من «أعيان الريع» يبتعدون عن تحمل المسؤوليات، وبالتالي عن إفساد العملية الديمقراطية.
تاريخ توزيع الثروات هو التاريخ الحقيقي للشعوب، ومن يريد أن يبحث عن مصدر السلطة فليفتش أولا عن مصدر الثروة. وما وقع في تاريخ المغرب هو نهب وسرقة، والسكوت عن هذه السرقة جريمة أكبر من المشاركة فيها، أما تزكيتها بالجلوس تحت قبة تحمي سارقيها فتلك مهزلة!